الفرق بين من جاء مقراً ومن شهد الشهود عليه
السؤال: ما الفرق بين من جاء مقراً بالمعصية فتهاون في شأنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقصة المخزومية التي لم يتهاون في شأنها أبداً؟
الجواب: أما ماعز والغامدية فقد جاء كل منهما بنفسه مقراً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يطهره!! يريد أن يقيم عليه الحد!! ففي هذه الحالة الحكمة والأسلوب الصحيح الذي أرشد إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القضاة، ومن باب أولى في هذا أن يأمروا الإنسان أن يتوب وأن يستغفر وألا يعرض نفسه للحد والعقوبة؛ لأن من تاب فقد تاب الله -تبارك وتعالى- عليه: ((إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:70].
لكن الحال يختلف لو أن ماعزاً أو الغامدية قد أصابا هذه الجريمة النكراء وفعلا هذه الفاحشة، وشهد عليهما بذلك الشهود وثبت الحد؛ ثم يأتي أحد يشفع فيهما، وهذا ما حدث في قضية المخزومية فقد ثبت الحد، ويأتي شفعاء يشفعون في حد من حدود الله، فالأمر يختلف.
ولهذا يجب أن نفرق بين حالة إقبال الإنسان تائباً وإن كان مرتكباً لحد من حدود الله، وبين ما إذا كان الإنسان قد ثبت عليه الحد ووجب، فيأتي من يشفع في حد من حدود الله.
هذا بالإضافة إلى أن حق الله الخالص كما في الزنا يختلف أيضاً عن الحق الذي هو من شأن العباد كحال السرقة مثلاً، لكن هذه ليست الأساس، إنما المقصود عندما نتكلم عن التعامل أن نفرق بين الحالين، فبعض الناس يأتي في حد ثابت من حدود الله فيقول : يا أخي! أنت رجل طيب، يا أخي لا يجوز كذا، بينما تكون جهة رسمية محتسبة -أهل الحسبة أو مثل ذلك- ممن عملها وفعلها في المجتمع، القضاء على الاختلاط أو القضاء على الخلوة بالأجنبية، أو القضاء على الفواحش، فيقول هؤلاء: الستر أفضل والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مع ماعز وفعل، فهذا يبرر لأصحاب المعاصي بأن يرتكبوا مثل ذلك.
فهذا شيء، والأمر الآخر وهو أن أمراً لم يثبت ولم يقع بجهد هذا الداعية أو صاحب الاختصاص، وإنما جاء المجرم بنفسه منيباً مقبلاً تائباً، فهذا ننصحه ونحثه على الستر؛ لأنه عضو صالح في المجتمع، نتمنى أن يكون العصاة من أمثاله، أما ذلك المصر الذي تعبنا وجهدنا حتى وصلنا إلى حقيقته واكتشفناه، فهذا عضو فاسد، لابد أن يقطع ويبتر من المجتمع المؤمن الصالح.